فيقبلوا على مخالفة المجرمين في هذه الأمور، بل أعرضوا عن التذكرة الداعية إليها بالكلية زيادة على إعراضهم عنها، ولسؤال أهل الجنة أهل النار عن سبب دخولهم إليها مع علمهم بالحال سابقاً في الدنيا بالإيمان، وحالاً في الجنة بالعيان حكمة؛ وهي أن الله تعالى يلهمهم ذلك تحسيراً لأهل النار على ما فاتهم، وتوبيخاً لهم ليكون ذلك زيادة في عذابهم وإهانتهم، وفائدة حكاية ذلك في القرآن بالتذكير والإنذار.
وقوله:{فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ}[المدثر: ٤٩] يريد قريشاً؛ فإن السورة مكية، وهي من أول ما نزل، وقد كانوا في جاهليتهم يفجؤهم الإنذار بما أعده الله للمجرمين من عذاب النار، فلم يرفعوا لذلك رأساً، ولم يروا بما هم عليه من الفقر بأساً، بل أعرضوا عن الذكر، وخاضوا مع الخائضين في الباطل، كذبوا بيوم الدين، وطعنوا على سيد المرسلين، فقالوا: شاعر، ساحر، به جِنَّة، أساطير الأولين، لا تسمعوا لهذا القرآن، والغوا فيه، وغير ذلك.
وكذلك فسرت:{وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ}[المدثر: ٤٥].
وقال قتادة في الآية: يقولون: كنا كما غوى غاوٍ غوينا معه. رواه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة (١).
وروى ابن أبي الدنيا في "الصمت"، والطبراني بسند صحيح، عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: أعظم الناس خطايا يوم القيامة
(١) رواه عبد الرزاق في "التفسير" (٣/ ٣٣٠)، وكذا الطبري في "التفسير" (٢٩/ ١٦٦).