قال قبيصة: وما أذكر الآية في سورة المائدة: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ}[المائدة: ٩٥].
قال: فبلغ عمر رضي الله تعالى عنه مقالتي فلم يفجأ إلا ومعه الدَّرَّةَ، فعلا صاحبي ضرباً بها، وهو يقول: أقتلت الصيد في الحرم وسفَّهت الفتيا؟ ثم أقبل عليَّ فضربني، فقلت: يا أمير المؤمنين! لا أحل لك مني شيئاً مما حرم الله عليك؟
قال: يا قبيصة! إني أراك شاباً حديث السن، فصيح اللسان، فسيح الصدر، وإنه قد يكون في الوجل تسعة أخلاق صالحة وخلق سيئ، يتغلب خلقه السيئ أخلاقه الصالحة، فإياك وعثراتِ الشباب (١).
قلت: ما فعل عمر رضي الله تعالى عنه - وقد صح الأمر بالاقتداء [به و] بأبي بكر رضي الله تعالى عنهما - دليلٌ على أنه يعزَّر على الذنب الذي لا حد فيه، وأنه قد يجتمع التعزير والكفارة، وأن من أفتي بحكم شرعي ولم يرض به يعزر، وأن من اعترض من هو أعلم منه بغير وجه أو بمجرد الرأي يعزر، وكذلك من دعا مستفتياً أرشده المفتي إلى شيء إلى مخالفته ولو بما هو أحوط منه رأيًا يؤدب، وأن الشباب ينبغي أن يتحفظ
(١) رواه الطبري في "التفسير" (٧/ ٤٨)، وابن أبي حاتم في "التفسير" (٤/ ١٢٠٦)، والطبراني في "المعجم الكبير" (٢٥٨)، والحاكم في "المستدرك " (٥٣٥٥).