للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من قرار، فأمر فتى شاباً معه من يهود، فقال: اعمَد إليهم فاجلس معهم، ثم ذَكِّرْهم يوم بعاث، وما كان قبلهم، وأنشِدْهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار، وكان يوم بعاث يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج، وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج.

ففعل، وتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلين من الحيين على الركب؛ أوس بن قيظي أحد بني حارثة من الأوس، وجبار بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج، فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه: إن شئتم رددنا الآن جدعة، وغضب الفريقان جميعاً، وقالوا: قد فعلنا؛ السلاحَ السلاحَ، موعدكم الظاهرة - والظاهرة: الحرة - فخرجوا إليها، وانضمت الأوس بعضها إلى بعض، والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين من أصحابه حتى جاءهم، فقال: "يا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ! ! اللهَ اللهَ! أَبِدَعْوى الْجاهِلِيَّةِ وَأَنا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ بَعْدَ أَنْ هَداكُمُ اللهُ إِلَى الإِسْلامِ، وَأَكْرَمَكُمْ بهِ، وَقَطَعَ بِهِ عَنْكُمْ أمرَ الْجاهِلِيَّةِ، وَاسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِنَ الْكُفْرِ، وَألَّفَ بِهِ بَيْنَكُمْ، تَرْجِعُونَ إِلَى ما كُنتمْ عَلَيْهِ كُفَّاراً؟ ".

فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيدهم من عدوهم لهم، فألقوا السلاح من أيديهم، وبكوا، وعانق الرجال بعضهم بعضاً، ثم انصرفوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدوهم شاس بن قيس، وأنزل الله تعالى في شأن شاس بن قيس

<<  <  ج: ص:  >  >>