كتاب حسن التنبه لما ورد في التشبه

(١٣) باب النهي عن التشبه بأهل الجاهلية والمشركين - ٨٥ - ومنها: التمادح لا على وجه التقرب إلى الله تعالى بالإنصاف، وإنزال الناس منازلهم، بل على وجه المداهنة والمراءاة، والتقرب إلى قلوب الناس تحصيلا للأغراض الفاسدة. - ج: 9 - ص: 120

والدنا، وأنت سيدنا، وأنت أفضلنا علينا فضلًا، وأنت أطولنا علينا طولًا، وأنت الجفنة الغَّراء، وأنت وأنت، فقال: "قُولُوا قَوْلَكُمْ، وَلا يَسْتَهْوِيَنَّكمُ الشَّيْطانُ" (١).

وأخرجه أبو داود، والنسائي في "اليوم والليلة" بلفظ آخر (٢).

وفيه إشارة إلى أن اللسان إذا أطلق في الثناء - ولو بالصدق - فيخشى أن يستهوي الشيطان إلى الزيادة المستغنى عنها؛ قاله في "الإحياء" (٣).

واعلم أن المدح قد يشتمل على كذب، أو رياء، أو شهادة بظن أو توهم، أو تفريح ظالم أو فاسق، وتجرئتهما على الظلم والفسق، وقد يُحدث في الممدوح كِبرًا أو إعجابًا، وهما مهلكان، أو فتورًا عن الخير، أو رضى عن النفس، ومن هنا كان المدح ذبحًا.

وروى [ابن] زنجويه في كتاب "الأدب": أن رجلًا مدح رجلًا بحضور عمر رضي الله تعالى عنه [فقال]: عقرت الرجل عقرك الله (٤).

وعلى ما ذكرناه كانت أمداح أهل الجاهلية بعضهم ببعض، وربما

---

(١) رواه ابن أبي الدنيا في "الصمت وآداب اللسان" (ص: ٧٩).
(٢) رواه أبو داود (٤٨٠٦)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (ص: ٢٤٩).
(٣) انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (٣/ ١١٥).
(٤) ورواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٢٦٢٦٢)، والبخاري في "الأدب المفرد" (٣٣٥).