فأنشأ المسلمون يبكون، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قارِبُوا وَسَدِّدُوا؛ فَإِنَّها لَمْ تَكُنْ نُبُوَّةٌ قَطُّ إِلاَّ كانَ بَيْنَ يَدَيْها جاهِلِيَّةٌ، فَتُؤْخَذُ الْعِدةُ مِنَ الْجاهِلِيَّةِ، فَإِنْ تَمَّتْ وَإِلاَّ كَمُلَتْ مِنَ الْمُنافِقِينَ، وَما مَثَلَكُمْ وَالأُمَمَ إِلاَّ كَمَثَلِ الرَّقْمَةِ فِي ذِراعِ الدَّابَّةِ، أَوْ كَالشَّامَةِ فِي جَنْبِ الْبَعِيرِ".
ثم قال:"وَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبْعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، فكبَّروا.
ثم قال:"أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، فكبَّروا.
ثم قال:"وَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، فكبَّروا.
قال: ولا أدري ذكر الثلثين، أم لا (١).
وفي هذا الحديث إشارة إلى أن أكثر أهل الجاهلية أكثر الناس؛ إذ منهم يأجوج ومأجوج، ومن لم تبلغه الدعوة، ثم الذين بلغتهم الدعوة، فمن لم يؤمن بقي على جاهليته، ومن آمن منهم إما أن يدخل الإيمان في قلبه أو لا، ومن لم يدخل الإيمان في قلوبهم أكثر ممن لم يدخل قلوبهم، فالمنافقون أكثر المسلمين، والمؤمنون حقيقةً أقلهم، يظهر بذلك أن أكثر الناس أهل الجاهلية، ثم أكثر الناس بعدهم المنافقون.
قال الله تعالى:{وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ}[ص: ٢٤].
(١) رواه الإمام أحمد في "المسند" (٤/ ٤٣٢)، والنسائي في "السنن الكبرى" (١١٣٤٠)، والترمذي (٣١٦٨) وقال: حسن صحيح، والحاكم في "المستدرك" (٧٨).