للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذنوب فأنساهم أنفسهم عند التوبة. نقل ذلك القرطبي، وغيره (١).

وقول سهل من أحسن التفاسير، ويدلُّ عليه قول تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر: ١٩]، لأنّ الفسق لا يدوم مع التوبة.

والمعنى: إنَّ من نسي الله تعالى عند ارتكاب الذنب فلم يذكر عظمته، بل عصاه غير خائف منه، ولا مستحي من اطلاعه عليه، ولم يعقب معصيته ندمه عليها، فربما كان ذلك سببًا لمنعه عن التوبة، فيحق عليه اسم الفسق، بخلاف من أتبع الذنب بالندم والخوف والحزن؛ فإن حسنته تذهب سيئته، فلا يحق عليه اسم الفسق.

وروى الإمام أحمد، والنسائي، والطبراني، والبيهقي عن حذيفة - رضي الله عنه -، عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "اقْرَؤُوا الْقُرْآنَ بلُحُونِ العَرَبِ وَأَصْواتِها، وَإِيَّاكُمْ وَلُحُونَ أَهْلِ الْكِتابَيْنِ، وَأَهْلِ الْفِسْقِ؛ فَإِنَّهُ سَيَجِيْءُ بَعْدِيَ قَومٌ يُرَجِّعُونَ بِالْقُرآنِ تَرْجِيعَ الْغِناءِ وَالرَّهْبانِيَّةِ وَالنَّوْحِ، لا يُجاوِزُ حَناجِرَهُمْ، مَفْتُونةٌ قُلُوبُهُمْ وَقُلُوبُ مَنْ يُعْجِبُهُمْ شَأْنهمْ" (٢).

هذا الحديث يدلُّ على النّهي عن التشبه بأهل الفسق في ظاهر أعمالهم -وإن لم يكن المتشبه بهم على مثل قلوبهم- فإن التشبه بهم في بعض الأعمال قد يفضي بالمتشبه إلى التشبه بهم في التوغل في


(١) انظر: "تفسير القرطبي" (١٨/ ٤٣).
(٢) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (٧٢٢٣)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (٢٦٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>