للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى يصير أحمق (١).

قلت: كثيراً ما كنت أحسب أن الشافعي - رضي الله عنه - أراد بذلك ذم التصوف كما فهمه من كلامه غير واحد، ثم ظهر لي أنه لا يريد الذم لأن العاقل لا يدخل في باب إلا خرج من عُهدة ما فيه، والتصوف إذا أريد به التعبد وتطهير القلب من الأخلاق الذميمة، وتبديل الأخلاق الجميلة بها، والتأدب بآداب الشريعة فلا ينبغي ذمه أصلاً.

وإنما أراد الشافعي رضي الله تعالى عنه أن العاقل إذا تصوف رفض الدنيا، ولم يعبأ بها، وآثر زيَّ الفقراء، وغلب عليه الحب والوَلَه، وخوف العاقبة، فتبدو عليه أحوال هي عند أهل الدنيا من صفات المجانين، وسمات الحمقى والمغفلين، وذلك على حد قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أكثِرُوا ذِكْرَ اللهِ حَتَّى يَقُولُوا: مَجْنُونٌ" (٢).

فقول الشافعي: حتى يصير أحمق معناه: حتى يرى الناس أنه أحمق.

* تَنْبِيهٌ آخَرُ:

روى البزار عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْبُلْه" (٣).


(١) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (٩/ ١٤٢).
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) ورواه ابن عدي في "الكامل" (٣/ ٣١٣) وقال: بهذا الإسناد منكر، والقضاعي في "مسند الشهاب" (٩٨٩)، و (٩٩٠)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (١٣٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>