البلاد والأقطار لأغراض أخرى غير الاعتبار والاستبصار، فدعاهم للسير لهذه الفائدة لا للأغراض الفاسدة.
واعلم أن النظر والاعتبار لا يختص بالبوادي، بل هو مطلوب في الحواضر؛ فإن في المسير من مدينة إلى مدينة، ومن قرية إلى قرية تذكراً لمن عمرها وسكنها، ثم ذهب عنها وتركها كما وقعت الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى:{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}[الروم: ٩].
واعلم أنه لا يهتدى إلى ما وقع الإرشاد إليه في الآيات الكريمة من الاعتبار والاستبصار إلا بالعلم، وأهل العلم في الناس قليل، وكلما تأخر الزمان كانوا أقل، فالأكثرون لا يهتدون لذلك لغلبة الجهل والهوى عليهم كما قال الله تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (٤٣) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: ٤٣، ٤٤].