للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو يحمل قوله: "وَإِنَّ مِنَ العِلْمِ جَهْلاً" على العلوم التي تؤدي بصاحبها إلى دعوى علم الغيب، أو إلى فساد الاعتقاد كالسحر، والكهانة، والتنجيم، وعلم النجوم، والفلسفة، والهيئة، أو على تعلم الحيل الفقهية في التوصل إلى أكل الربا وغيره مما لا يحل.

وقد حكي لنا: أن فقيهاً عشق امرأة، وأراد أن يتزوجها وهي ذات زوج، وقد غاب زوجها وانقطع خبره، فعلَّمها أن تتكلم بكلمة كفر، أو تفعل فعلاً مكفِّراً، وتدوم عليه إلى انقضاء العدة، ففعلت، وتزوجها آخراً؛ وهل فوق هذا الجهل جهل؟

أو يحمل على علم الخلاف، والقضاء ونحوه من العلوم التي بها يتوصل إلى الولايات والمناصب لنيل ذلك، وخطر هذه الفنون عظيم بحيث أن لو كشف الغطاء لود ذووها أن لو جهلوها.

وذكر أبو طالب المكي في "القوت": أن إسماعيل بن إسحاق القاضي كان من سادات القضاة وعقلائهم، وكان مؤاخياً لأبي الحسن ابن أبي الورد، وكان هذا من علماء الباطن (١)، فلما ولي إسماعيل بن إسحاق هجره ابن أبي الورد، ثم اضطر إلى أن دخل عليه، فضرب ابن أبي الورد على كتف إسماعيل القاضي، وقال: يا إسماعيل! علمٌ أجلسك هذا المجلس لقد كان الجهل خيراً منه، فوضع إسماعيل رداءه على وجهه، وجعل يبكي حتى بَلَّه (٢).


(١) في "قوت القلوب": "وكان هذا من أهل المعرفة" بدل "وكان هذا من علماء الباطن".
(٢) انظر: "قوت القلوب" لأبي طالب المكي (١/ ٢٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>