للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنَّ امْرَأً أَمْسى أَبُوهُ وَأُمُّهُ ... تَحْتَ التُّرابِ لِهَوْلِهِ يَتَفَكَّرُ

مِثْلَ الْبَهائِمِ لا تَرى آجالَها ... حَتَّى تُقادَ إِلَى الْمَنِيَّةِ تُجْزَرُ (١)

فإن قلت: فما تصنع بما رواه ابن أبي حاتم عن ابن سابط قال: ما أبهمت البهائم فلم تبهم عن أربع: تعلم أن الله ربها، ويأتي الذكر الأنثى، وتهتدي لمعاشها، وتخاف من الموت (٢).

قلت: لا يلزم من خوفها من الموت أن تعلم ما نعلم منه، وإنما هو معنى يحصل للدابة إذا أحست بما هو من أسباب الموت، فتراع عند مشاهدته فتذعر كما يحصل للشاة عند مشاهدة الذئب دون غيره، وللفأرة عند مشاهدة الهر، وللفرس وغيرها عند مشاهدة الأسد، ولأكثر الحيوانات عند مشاهدة الآدمي، فأما أن تعلم حقيقة الموت وما بعد الموت من عذاب أو نعيم فهذا مما خص الله تعالى به العقلاء، فمن لم يؤمن بعذاب القبر وفتنته، والبعث والحساب، أو آمن بذلك ثم اغتر بالدنيا، فهو ملحق بالبهائم، أو أسوء حالاً منها.

وما أحسن ما قيل: [من مجزوء الرمل]

أَيَّها الْمُغْتَرُّ بِالدُّ ... نْيا إِلَى كَمْ ذا الغُرُورُ

كَيْفَ يَغْتَرُّ بِدُنْيا ... مَنْ إِلَى الْمَوْتِ يَصِيْرُ


(١) انظر: "المجالسة وجواهر العلم" للدينوري (ص: ٧٣)، و"الزهد الكبير" للبيهقي (ص: ٢٣٤)، وعندهما: "معبد العنبري".
(٢) انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (٥/ ٥٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>