رضي الله تعالى عنه قد اتخذ دِرَّة، فلما جاء عثمان رضي الله تعالى عنه اتخذ دِرَّة أشد منها (١) -وذلك لما بيناه- ثم لما تفاقم الأمر في زمن علي رضي الله تعالى عنه اتخذ دِرَّة كدِرَّة عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما، واتخذ مع ذلك سوطًا كما تقدم عن ابن عيينة.
قلت: وما زال الشر يزداد ويتقاحم الناس فيه حتى اتخذ لهم الملوك والأمراء أنواع العقوبات، وألوان العذاب والتمثيلات، وتجاوزوا أحكام الشريعة في ذلك، وتعدوا حدودها؛ فإن الشرع ينهى عن المُثْلة، ولم يرجع الناس عن مثل ما صدر ممن مثل به منهم عليه.
ولقد ذاكرت بعض الأمراء في السياسات التي أحدثوها وتفننوا في تلوينها، فاعتذر عن ذلك بأنهم قصدوا بذلك الزيادة في الردع.
فقلت: لو اتبعوا الشرع في الحدود والتأديب لكان أبلغ من هذه المُثُل التي أحدثوها وسمَّوها سياسة.
فقال لي: لم أفهم كون الشرع أبلغ من السياسة.
فقلت له: يظهر لك هذا بمثالين:
الأول: إنكم تأخذون الزاني فتغرِّمونه المال أو تقتلونه، ولو جلد البكر وغُرِّب عن وطنه عامًا، ورجم المحصن بمشهد من الناس حتى يموت، لكان أبلغ في الزجر عن الزنا.
فتأمل، ثم قال لي: صدقت.
(١) رواه عبد الله ابن الإِمام أحمد في "زوائد الزهد" (ص: ١١٥).