ومما يؤيد ذلك ما رواه الخطابي في "الغريب" بإسناده عن أسيد ابن صفوان قال: لما مات أبو بكر رضي الله تعالى عنه قام علي - رضي الله عنه - على باب البيت الذي هو مسجى فيه، فقال: كنت والله للدين يعسوباً؛ أولاً حين نفر الناس عنه، وآخراً حين فيلوا، طرت بعبائها، وفزت بحبائها، وذهبت بفضائلها، كنت كالجبل لا تحركه العواصف، ولا تزيله القواصف.
قال الخطابي: اليعسوب: فحل النحل وسيدها؛ ضربه مثلاً لسبقه إلى الأحلام، ومبادرة الناس إلى قبوله، فصار الناس بعد تبعاً له كاليعسوب يتقدم النحل إذا طارت، فتتبعه طرائق مطردة.
قال: وقوله: حين فيلوا؛ أي: حين فال رأيهم فلم يستبينوا الحق في قتال مانعي الزكاة، فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فلمَّا رأوا منه الجد تابعوه.
يقال: فال الرأي، وفيل: إذا لم يصب فيه، انتهى (١).
وقوله: فيلوا، وفال، وفيل؛ الكل بالفاء.
فانظر كيف وصف علي أبا بكر رضي الله تعالى عنهما بأنه كان يعسوباً أولاً بالسبق إلى الإيمان، وثانياً بالتثبث في الرأي حين رأى قتال مانعي الزكاة، فرأى بعض الصحابة خلاف رأيه، ثم رجعوا كلهم