للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتهبت حرارتها، فتطلب الماء، فإذا رأته امتنعت من شربه، وحامت حوله فتشمه لأنها لو شربته في تلك الحال فصادف الماء السم الذي في أجوافها هلكت، فلا تزال تمتنع منه بإلهام من الله تعالى حتى تذهب عنها فورة السم، ثم تشربه فلا يضرها.

وفي ذلك قيل: [من الوافر]

هَجَرْتُكَ لا قِلًى مِني وَلَكِنْ ... رَأَيْتُ بَقاءَ وِدِّكَ فِي الصُّدُودِ

كَهَجْرِ الْحائِماتِ الوِرْدَ لمَّا ... رَأَتْ أَن الْمَنِيَّةَ فِي الورُودِ

تَفِيضُ نُفُوسُها ظَمَأً وَتَخْشَى ... حِماماً فَهْيَ تَنْظُرُ مِنْ بَعِيدِ

تَصُدُّ بِوَجْهِها البَغْضاءَ عَنْهُ ... وَتَرْمُقُهُ بِإِلْحاظِ الورُودِ (١)

وكذلك ينبغي للإنسان أن يحتمي عما يضره في بدنه من الأغذية وغيرها، وفي دينه من الحرام والشبهة وغيرهما.

وأنشد أقضى القضاة الماوردي في "أدبه": [من السريع]

جِسْمُكَ قَدْ أَضْعَفْتَهُ بِالْحمى ... خَوفاً مِنَ البارِدِ وَالْحارِ

وَكانَ أَوْلَى بِكَ أَنْ تَحْتَمِي ... مِنَ الْمَعاصِي خَشْيةَ النَّارِ

والحمية قد تكون بتعمُّل من العبد وصبر، وهي من باب المجاهدة.


(١) انظر: "معجم الأدباء" لياقوت الحموي (٥/ ٣٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>