وقلت لك: لا تُصدقنَّ بما لا يكون وقد صدقت؛ فإنَّك لو جمعت عظامي وريشي لم تبلغ عشرين مثقالاً، فكيف يكون في حوصلتي درة زنتها عشرون مثقالاً (١)؟
وحكي أنَّ رجلاً من بغداد كان معه أربع مئة درهم لا يملك غيرها، فاشترى بها أفراخ زرياب، وهو الطائر المعروف بأبي زريق، ويقال له: القوق ألوف، يقبل التعليم سريع الإدراك، يزيد على الدُّرة إذا ألحن، وإذا تكلَّم جاء بالحروف مبينة حتى لا يشك سامعه أنه إنسان، فهبت ريح باردة فماتت تلك الأفراخ كلها إلا واحداً كان أصغرها وأضعفها، فأيقن الرجل بالفقر، فلم يزل يبتهل إلى الله - عز وجل - بالدعاء ليله كله يقول: يا غياث المستغيثين! أغثني، فلما أصبح زال البرد وجعل ذلك الفرخ ينفض ريشه ويصيح بلسان فصيح: يا غياث المستغيثين! أغثني، فاجتمع الناس عليه يستمعون صوته، فاجتازت به أمة للخليفة فَشَرَته بألف درهم.
وفي كتاب "المسامرة" للشيخ محي الدين بن العربي الحاتمي خبر الطائر المغيث في قصة الرجل الذي كان في سفينة، فقام ليلاً ليتوضأ، فزلقت رجله فوقع في البحر، فقال: ذلك تقدير العزيز العليم، فإذا طائر اختطفه من البحر فألقاه في السفينة، ثم وقع على
(١) ورواه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (٤/ ٣١٦) عن داود عن الشعبي.