فانظر كيف يُكفِّر الله تعالى عن العبد الصالح ما يبقى عليه من رعونة نفسه، وإدلاله بعمله وتمسكه به في نفس موقفه، فلا يدخله الله الجنة إلا خالصاً طاهراً مقدساً؛ فمن هذا القبيل يُلاحظ أهل الجنة عند باب الجنة تلاحظ الثيران ليُكفر ذلك عنهم ولو بازدحامهم عند الدخول، فإذا دخلوا نزع الله الغِلَّ من صدورهم.
هذا الوجه الأول في كلام عبد الكريم بن رشيد.
والوجه الثاني: أنَّ أهل الجنة لا تنقطع عنهم أحوال الدنيا وخوف المؤاخذة بها في مواطن القيامة حتى يدخلوا الجنة - كان انتهوا إلى بابها - فإنَّ كل إنسان منهم يخشى أن يكون عليه مؤاخذة، ولا يكاد يخلو أحد منهم من ظُلامة عند بعض أهل الموقف فهو يخاف أن يحتاج إليها ليكفر الله بها ما عسى أن يستدرك عليه من التبعات - وإن انتهى إلى باب الجنة - فإنه لا يأمن أن يقال: قفوه، أو: أرجعوه، فهو ينظر إلى أخيه الذي له عليه الظلامة نظر الطالب، ويلتفت إليه التفات المُسْتَعدى عليه ولو كان أقرب الخلق إليه.
روى الطبراني عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"إِنَّهُ يَكُوْنُ لِلْوَالِدَيْنِ عَلَى وَلَدِهِمَا دَيْنٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ يتَعَلَّقَانِ بِهِ فَيَقُوْلُ: أَنَا وَلَدُكُمَا فَيَوَدَّانِ، أَوْ يَتَمَنَّيَانِ لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ"(١).
(١) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (١٠٥٢٦). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (١٠/ ٣٥٥): رواه الطبراني عن عمرو بن مخلد، عن زكريا بن يحيى الأنصاري، ولم أعرفهما، وبقية رجاله وثقوا على ضعف في بعضهم.