للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: {يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا}؛ يعني: في الدنيا بتوسعة الرزق، ونعمته من غير تكدير ولا سوء، بخلاف المصرين الذين لم يستغفروا, ولم يتوبوا إليه؛ فإنهم -وإن مُتِّعُوا في الدنيا- فإنَّ متاعهم مكدر حالًا أو مآلاً؟ ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [البقرة: ١٢٦]؟

وفي الحديث: "مَنْ أكثَرَ مِنْ الاسْتِغْفَارِ جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيْقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ" (١).

وقال تعالى حكايته عن نوح عليه السلام: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (١٠) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (١١) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: ١٠ - ١٢].

وقوله تعالي: {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [هود: ٣]؛ يعني: الموت.

وهذه غاية تدل على أن المتقلِّب في الدنيا بين التوبة والاستغفار لا ينكب في دنياه ونعمته حتى يستوفي أجله؛ وان حصل له في أثناء ذلك محنة فإنما هي لتمام التقصير، أو للترقية في المقام لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيرًا يُصب مِنْهُ" (٢).

وفي الآية دليل على أن حفظ النعمة على العبد - خصوصاً عند موته - صالحة عظيمة، ولذلك جعلها الله تعالى ثواباً للعبد على التوبة


(١) تقدم تخريجه.
(٢) رواه البخاري (٥٣٢١) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>