للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأدب عبارة عن حمل النفس على ما يُطلب ويُستحسن شرعاً، وليس المراد به ما استحسنه الأعاجم والمترفون؛ فإن هذا قد يخالف الشريعة والسنة، كاستعمال الأخونة، ورفع الطعام عن الآكلين، وارتفاع الآكل عن الطعام، وقيام الخدمة على الرؤوس وهم يأكلون، وكإطالة الأذيال، وقيامهم بين يدي كبرائهم، وركوعهم لهم إذا دخلوا عليهم، والقيام لهم عند دخولهم وخروجهم، وعند شربهم وعطاسهم دون التلفظ بالتشميت، وتقبيل الأرض بين أيديهم دون الابتداء بالسَّلام المسنون، إلى غير ذلك من آدابهم؛ فليس ذلك من الأدب في شيء، وقد نهينا عن التشبه بالأعاجم، كما سيأتي الكلام على ذلك في القسم الثاني من الكتاب.

وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري في "الرسالة": حقيقة الأدب اجتماع خصال الخير، ومقتضاه أنه لو تأدب في حالة، وترك الأدب في حالة لم يكن أديباً حتى يعطي كل حال وكل مقام ما يستحقه من الأدب، كما قيل: [من الطويل]

إِذَا نَطَقَتْ جاءَتْ بِكُلِّ فَصاحَةٍ ... وإِنْ سَكَتَتْ جاءَتْ بِكُلِّ مَلِيْحِ (١)

قلت: وقد وقعت الإشارة إلى طلب الأدب من العبد في كل حال بقوله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ


(١) انظر: "الرسالة القشيرية" (ص: ٣١٦ - ٣١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>