وإنما آثر الصالحون والعارفون الإزراء بالنفس، ودعوا إليه؛ خشيةً من الانخداع بصفة الصلاح والركون إليها، فيرائي الرجل ويطلب تعظيم نفسه من الناس، ونظرهم إليه؛ فيهلك.
كما روى ابن الجوزي عن الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى قال: لو قيل لك: يا مرائي لغضبت، ولشق عليك، وتشكو فتقول: قال لي: يا مرائي، وعساه قال حقا؛ من حبك للدنيا تزينت وتصنعت للدنيا.
ثم قال: اتق الله أن تكون مرائيا وأنت لا تشعر، تصنعت وتهيأت حتى عرفك الناس فقالوا: هو رجل صالح، فأكرموك وقضوا لك الحوائج، ووسَّعوا لك المجالس؛ وإنما عرفوك بالله، ولولا ذلك لهُنت عليهم (١).
وروى ابن باكويه الشيرازي عن أبي عثمان النيسابوري قال: خرجنا جماعةً مع أستاذنا أبي حفص النيسابوري إلى خارج نيسابور، فجلسنا، فتكلم الشيخ علينا، وطابت أنفسنا، ثم بصرنا بِأَيلِ قد نزل من الجبل حتى بَرَك بين يدي الشيخ، فأبكاه ذلك بكاءً شديدًا، فلما هدأ الشيخ سألناه فقلنا له: يا أستاذ! تكلمت علينا وطابت قلوبنا، فلما جاء هذا الوحش وبرك بين يديك أزعجك وأبكاك، فأحببنا أن نعرف فقه ذلك!
فقال: نعم؛ رأيت اجتماعكم حولي وقد طابت قلوبكم، فوقع في
(١) رواه ابن الجوزي في "صفة الصفوة" (٢/ ٢٤٠)، وكذا أبو نعيم في "حلية الأولياء" (٨/ ٩٤).