للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لحصول ذلك، فإن ذلك لا يكون منه تعمداً لقتل نفسه، وإنما أمره الله تعالى أن يجاهد في سبيله مع أنه بين له أن الجهاد فيه الابتلاء الكل؛ لأن الغاية فيه إما إلى قتل العدو، وإما إلى قتل المقاتل، فوعد سبحانه من يجاهد مطمئن القلب على حصول أحد الأمرين بالثواب الجزيل، وهو أجر الجهاد والاستشهاد، وهو الحسنيان، وإنما بين الله تعالى ما يؤول إليه أمر الجهاد ليوطن المجاهد نفسه على ذلك، فيكون البيع الواقع على النفس منجَّزاً عن طيب نفس من غير غبن ولا خديعة، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إِنَّمَا البَيعُ عَنْ تَرَاضٍ". رواه ابن ماجه عن أبي سعيد - رضي الله عنه - (١).

وقال - صلى الله عليه وسلم - لرجل ذكر أنه يخدع في البيع: "مَنْ بَايَعْتَ فَقُلْ لَهُ: لا خِلابَةَ"، والحديث في "الصحيحين" وغيرهما (٢).

وخِلابة - بكسر المعجمة، وبالموحدة -: الغبن والخديعة.

قال الرافعي، والنووي رحمهما الله تعالى: واشتهر في الشرع أنها عبارة عن اشتراط الخيار ثلاثة أيام، انتهى (٣).

فإذا كان هذا مأخوذًا به في المبايعة بين العباد، فالأخذ به في المبايعة بين الله تعالى وبين العباد أحق وأحرى؛ فإن الغَبن والخديعة ظلم، وما ربك بظلام للعبيد.


(١) رواه ابن ماجه (٢١٨٥)، وكذا ابن حبان في "صحيحه" (٤٩٦٧).
(٢) رواه البخاري (٢٠١١)، ومسلم (١٥٣٣) عن ابن عمر - رضي الله عنهما -.
(٣) انظر: "الشرح الكبير" للرافعي (٨/ ٣١٠)، و"المجموع" للنووي (٩/ ١٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>