للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر أبو طالب في "القوت": أن رجلًا من بني إسرائيل تزوج امرأة من بلدة، ولم يجد بها من يحملها إليه، فأمر عبدًا له فحملها، فراودته نفسه، فجاهدها واستعصم، قال: فنبأه الله مكان (١) نبي في بني إسرائيل (٢).

قلت: إنما نقله الله تعالى إلى مقام النبوة بعد أن تم له مقام الصديقية؛ إذ لا يلي النبوة إلا رتبة الصديقية، ومن ثم سمي يوسف عليه السلام صديقا على لسان قومه إذ قال قائلهم: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا} [يوسف: ٤٦].

وإنما شهد له الناس بالصديقية لأنه استعصم عن معصية الله تعالى، وقد توفرت دواعيها بمراودة امرأة العزيز له، وعرضها نفسها عليه، فاستعصم، ثم أكرهته على المعصية بالسجن والعقوبة حيث تقول: {وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ} [يوسف: ٣٢، ٣٣] الآية، فاختار العقوبة على المعصية، فمن ثم اتخذه الله نبيًا.

وقد علمت أن هذه الخصلة -أعني: الاستعصام عن الزنا مع توفر دواعيه - أحد الخصال التي يكون أصحابها في ظل عرش الله تعالى، وأكثرها من أخلاق الصديقين خصوصا السبعة المذكورة في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، ومنهم الإِمام العادل (٣).


(١) في "قوت القلوب": "فكان" بدل "مكان".
(٢) انظر: "قوت القلوب" لأبي طالب المكي (٢/ ٢٣٥).
(٣) رواه البخاري (٦٢٩)، ومسلم (١٠٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>