ومن أبلغ القرب إلى الله تعالى الإنفاق في سبيله عن طيب نفس من غير أن يعد النفقة غرامة؛ لأنَّ المحبة لا تتحقق إلا ببذل ما سوى المحبوب في رضاه، والقربة على قدر المحبة، ومن ثمَّ قال الله تعالى:{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}[آل عمران: ٩٢].
فشهد سبحانه وتعالى لمن كان الباعث له على الإنفاق الإيمان وقصد القربة بالتقرب، وأنَّهُ حصل على القربة الحقيقية الموجبة للرحمة، كما شهد على المنافقين الذين يتخذون ما ينفقون مغرماً بأنَّ عليهم دائرة السوء حيث قال تعالى:{وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم}[التوبة: ٩٨].
فالتقرب إلى الله تعالى بالصدقات والنفقات على حسب الإيمان وحسن النية، ومن ثمَّ ليس كل متقرب أو مقرب مقرباً، ألا تسمع قوله تعالى:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[المائدة: ٢٧].
ظهر شِرْكه في قوله:"لأقتلنَّك"؟ حَسِبَ أنَّ المانع من قبول قربانه وجود أخيه، فتوعده بالإعدام والقتل، فأثبت لنفسه - أيضاً - حولاً وقوةً، فنبهه أخوه على أن سبب قبول القربان ليس نفس تقديم القربان ولا غيره