للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا تقوى الله بقوله: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: ٢٧].

وروى ابن جرير عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: إنَّ ابني آدم اللذين قربا قرباناً كان أحدهما صاحب حرث، والآخر صاحب غنم، وإنَّما أُمِرَا أن يُقرِّبا قرباناً، وإن صاحب الغنم قرب أكرم غنمه وأسمنها وأحسنها طيبةً بها نفسه، وإنَّ صاحب الحرث قرَّبَ شر حرثه الكردن والزوان غير طيبة بها نفسه، وإنَّ الله تقبل قربان صاحب الغنم، ولم يتقبل قربان صاحب الحرث، وكان من قصتهما ما قص الله في كتابه.

وايم الله! إن كان المقتول لأشد الرجلين، ولكن منعه التحرج أن يبسط يده إلى أخيه (١).

واعلم أن المتقرب إليه عظيم لا يقبل إلا ما يليق أن يقابل به، وكل شيء يتقرب به إليه لا يليق للقربة إلا إذا قرَّبه إليه المتقرب به إليه وهو مستغفر لما قربه شاهد بعظمة من يتقرب به إليه، وباحتقار نفسه أن يكون أهلاً لهذه القربة، وحينئذٍ فقد أدى حق التقرب بإعطاء كلِّ ذي حقٍّ حقه؛ إذ حق الربِّ الاعتراف بربوبيته وعظمته، وحق العبد الاعتراف بعبوديته وضعته وحقارتِهِ، وحق ما من العبد إلى الله تعالى استصغاره واستحقاره؛ لأن الله تعالى غنيٌّ عن كل شيء، وحق ما من الله إلى العبد استعظامه واستكثاره؛ لأنَّ العبد فقير إلى الله أبداً محتاج إليه في كل حال، فمتى شهد العبد نفسه، أو شهدَ ما منه واستعظَمَهُ، فقد خرجَ بذلك عن التقريب


(١) رواه الطبري في "التفسير" (٦/ ١٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>