للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثدي تربيته - صلى الله عليه وسلم -، فكرر النبي - صلى الله عليه وسلم - طوبى لمن آمن به ولم يَرَه سبعاً؛ ليكون ذلك جبراً لما فاتهم من الثواب المعجل المشار إليه، وترويحاً لقلوبهم عما تضرَّم فيها من نيران الشوق إلى جماله - صلى الله عليه وسلم -، كما أشار - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك بقوله: "إِنَّ نَاسا مِنْ أُمَّتِيْ يَأْتُوْنَ بَعْدِيَ يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوِ اشْترَىْ رُؤيتِيْ بِأَهْلِهِ وَمالِهِ". رواه الحاكم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - (١).

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "منْ تَشَبَّهَ بِقَوْيم فَهُوَ مِنْهُمْ" (٢): فاعلم أن من أحبَّ قوماً، وتحقق بمحبتهم كان معهم على كل حال - كما علمت مما تقدم -، إلا أنه كلما كان أكثر لهم حباً كان أكثر إليهم قرباً، ولا تظهر آثار المحبة إلا بالتشبه بهم والتسويد معهم على الوجه الذي قررناه سابقاً ولاحقاً، فكلما كان العبد أكثر رغبة في التشبه بهم والكينونة معهم، كان أقربَ إليهم لأنه أَحَبُّ لهم.

وكل من أحب قوماً فهو معهم إلا أنه يكون في القرب منهم على قدر تشبهه بهم، والكينونة معهم، فأما لو تشبه بغيرهم، أو سود مع غيرهم رغبة في أحوال من تشبه بهم، أو سود معهم، فإنه لا يكون معهم بمجرد دعواه أنه يحبهم؛ فإن دعواه محبتهم كَذَّبَهُ فيها كونُه مع غيرهم، وتشبهه بمن سواهم، كما تقدم.


(١) رواه الحاكم في "المستدرك" (٦٩٩١).
(٢) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>