للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهو حسن، غير أنه جعل النهي راجعاً إلى الإعجاب والرياء، والأولى أن يبقى على ظاهره من أنه نهي عن نفس التزكية.

نعم، يستثنى منها ما كان بنية صالحة كأن يعرف فيسأل، أو يقتدى به، أو يظهر نعمة الله لقوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١)} [الضحى: ١١].

وروى الطبراني عن أبي الأسود الدؤلي، وزَاذَانَ الكندي قالا: قلنا لعلي - رضي الله عنه -: حدثنا عن أصحابك، فذكر مناقبهم، قلنا: فحدثنا عن نفسك، قال: مهلا، نهى الله عن التزكية، فقال له رجل: فإن الله يقول: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١)} [الضحى: ١١]، قال: فإني أحدث بنعمة ربي: كنت والله إذا سئلت أعطيت، وإذا سكت ابتدئت (١).

قال في "الكشاف": وإنما يجوز مثل هذا إذا قصد به اللطف، وأن يقتدي به غيره، وأمن على نفسه الفتنة، والتنزه أفضل، ولو لم يكن فيه إلا التشبه بأهل الرياء والسمعة لكفى به. انتهى (٢)، وهو كالتتمة لكلامه السابق.

قال القرطبي في قوله تعالى: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: ٣٢]: أي: لا تمدحوها وتثنوا عليها؛ فإنه أبعد عن الرياء وأقرب إلى الخشوع (٣).

فقد علمت بذلك أنَّ شرط الخيرية في العبد أن لا يعتقد في نفسه الخيرية كما قال يوسف عليه السلام: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ}


(١) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (٦٠٤٢).
(٢) انظر: "الكشاف" للزمخشري (٤/ ٧٧٤).
(٣) انظر: "تفسير القرطبي" (١٧/ ١١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>