للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلق نبوي، ألا ترى إلى قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} [البقرة: ٣٧] وليس من كلام الله تعالى إلا حكيم، وسبق في الحديث "الكَلِمَةُ الْحِكْمَةُ ضَالةُ الْمُؤْمِنِ".

وكلما كان قلب المؤمن قابلاً لتلقي الحكمة كان أقرب لوراثة الحكمة النبوية، وكلما كانت القلوب أصفى كانت للحكم أصغى كما قال ذو النون المصري رحمه الله تعالى: إنَّ الطبيعة الطيبة التقية هي التي تكفيها من العظة رائحتها، ومن الحكمة إشارتها، فأما القلوب القاسية فإنَّهَا عن قبول الحكمة قاصية، كما أنَّ الأرض السبخة لا تحفظ الماء، ولا تنبت الكلأ.

كما قيل: [من البسيط]

إِذا قَسا الْقَلْبُ لَمْ تَنْفَعْهُ مَوْعِظَةٌ ... كَالأَرْضِ إِنْ سَبِخَتْ لَمْ يَنْفَعِ الْمَطَرُ (١)

وأقبح ممن يسمع الحكمة ولا يقبلها من يسمع كلام الحكيم فلا يحفظ عنه إلا شر ما يسمع منه، وقد مثله - صلى الله عليه وسلم - بمثالٍ عجيب، فقال: "مَثَلُ الَّذِي يَجْلِسُ يَسْمَعُ الْحِكْمَةَ وَلا يحدث عَنْ صِاحِبِهِ إِلا شَرَّ مَا يَسْمَعُ كَمَثَلِ رَجُلٍ أتى رَاعِيَا فَقَالَ: يَا رَاعِي اجْزُرْ لِي بشَاةٍ مِنْ غَنَمِكَ، قَالَ: اذْهَبْ فَخُذْ بِأُذُنِ خَيْرِهَا شَاةً، فَذهبَ فَأَخَذَ بِأُذُنِ كَلْبِ الغَنَمِ". رواه الإِمام أحمد، وابن ماجه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - (٢).


(١) البيت لابن عائشة كما في "جامع بيان العلم وفضله" لابن عبد البر (٢/ ٨).
(٢) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>