ولا يبعد أن يكون ذلك موجوداً في سائر البهائم الآن إلا أنه لا يُطالعه إلا من شاء الله من أهل العرفان.
وكان من شأنه ما رواه الدينوري في "المجالسة" عن أبي فديك رحمه الله قال: بلغني عن سليمان عليه السلام أنه كان جالساً فرأى عصفوراً يُراود زوجته على السِّفاد وهي تمنَّع، فضرب منقاره على الأرض، ثم رفعه إلى السماء، فقال سليمان عليه السلام: هل تدرون ما قال لها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: قال لها: ورب السماء والأرض ما أُريد سفاد لذة، ولكن أردت أن يكون من نسلي [ونسلك] من يُسبح الله في الأرض (١).
قلت: ولعل الله تعالى لم يُرِدْ بذلك إلا تعليم سليمان ومَنْ حوله آداب المناكحة، وكذلك من عادة الله أن يُؤدب بعض أنبيائه بضعاف الخليقة وأدانيها كما في قصة الهدهد مع سليمان أيضاً، فأراد سليمان عليه السلام أن يترقى عن مقام الطير في طلب الولد المسبح الموحد، فطلب مئة من البنين وأن يكونوا فرساناً مجاهدين، غير أنَّ شدة غَيرته على هذا المقام منعته عن استيفاء آداب ذلك المرام، فعزم على نفسه وأقسم، وأشار إلى تحقيق وجود ما أم، ففاته أدب التعليق بالمشيئة، فلم يظفر من ذلك بالأمنية.
روى الإمام أحمد، والشيخان، والنسائي عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "قَالَ سُلَيْمَان عليه السلام: لأَطُوْفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَىْ مِئَةِ امْرَأة
(١) رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" (ص: ٤١٥).