للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حِلْسٌ مقبور وأنت حي تتنفس.

يا عيسى بن مريم! حقاً أقول: ما آمنت فيَّ خليقة إلا خشعت، ولا تخشعت إلا رجت نوالي، وأُشهدك أنها آمنة من عقابي ما لم تبدل أو تغير سُنني.

يا عيسى بن مريم ابن البكر البتول! ابك على نفسك أيام الحياة بكاء من قد ودع الأهل وقَلا الدنيا وترك اللذات لأهلها من بعده، وارتفعت رغبته فيما عند إلهه، وكن على ذلك تُلين الكلام وتُفشي السلام، وكُن يقظان إذا نامت عيون الأبرار، حذراً لما هو آت من أمر المعاد وزلازل الأهوال حيث لا ينفع مال ولا ولد ولا أهل، وأكحل عينك بملمول الحزن إذا ضحك البطَّالون، وابكِ بكاء من قد علم أنه مودع العلم النازل من عند الله الذي هو أقرب إليك من حبل الوريد، وكن في ذلك صابراً محتسباً، فطُوبى لك إن نالك ما وعدتُ الصابرين، فَرُحْ من الدنيا بالله فيوما، وذق مذاقة ما قد هرب منك أين طعمه، وما لم يأتك كيف لذته.

حقاً ما أقول لك: ما أنت إلا بساعتك ويومك فرح ما أخذت وكيف أرتعت، فاعمل على حساب فإنك مسؤول.

لو رأت عيناك ما أعددت لعبادي الصالحين لذاب قلبك وزهقت نفسك اشتياقاً إليه (١).

ومن أحسن ما قيل في الصبر قول الحسين بن الحسن الصوفي


(١) رواه أَبو نعيم في "حلية الأولياء" (٦/ ٣٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>