فمتى فتر العبد عن الذكر، وانتهى من الطاعة - ولا بد لكل عامل من فترة - فإن تلافى أمره بالشُّروع في طاعة أخرى فقد ضيق مجاري الشيطان إلى قلبه، وسبقه إلى حفظ سره، وكان متحققاً بقوله تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: ٧ - ٨]، وإن استرسل في فترته، وتمادى في غفلته سبقه الشَّيطان إلى قلبه فالتقمه؛ لأنه حينئذ صدق عليه أنه نسي الله فنسيه الله؛ أي: تركه للشَّيطان كما قال تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}[التوبة: ٦٧]؛ أي: تخلى عن توفيقهم، وخلى بينهم وبين شياطينهم.
وقال تعالى:{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ}[الحشر: ١٩]؛ أي: أنساهم إنسانية أنفسهم حتَّى غلبت عليهم أخلاق قرنائهم من الشَّياطين فبعدت نفوسهم عن الخير، فالعبد إذا لم يأت بالطَّاعة التي تنحصر في أفعال الصَّالحين فهو إما خالٍ بطالٌ، وإما عاصٍ ضالٌّ؛ فإن كان الأول فإنه - وإن كان لا يستحق عقاباً، ولا يستوجب ثوابا - فهو متشبه بالشَّيطان قبل أن يكون شيطاناً رجيماً، وذلك حين خلا بنفسه ورأيه، وكان عاقبة أمره أن أبى واستكبر عن السجود لآدم وقد أمر به؛ إذ لم يكن له يومئذ شيطان وسوس إليه بذلك إلا نفسه
(١) رواه ابن الدنيا في "مكائد الشيطان" (ص: ٤٣)، وأبو يعلى في "المسند" (٤٣٠١)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (٥٤٠).