يطلب المغفرة إما إعراضاً عن طلبها بالكلية، وإما إيثاراً لهوى نفسه على طلبها كمن يعصي الله تعالى ويعاود إلى المعصية وهو يستغفره بلسانه، ولم يستوف أركان التوبة التي هي طريق طلب المغفرة، أو يصر على المعصية ويتطاول إلى المغفرة مجاناً مع ارتكاب ما يقتضي العذاب، فهذا بعيد عن المغفرة، أو ممنوع منها ما دام على هذه الحالة، فهو أشبه الخلق بإبليس حين يتطاول إلى رحمة الله تعالى يوم القيامة لما يرى من سعتها - كما ورد في الحديث - مع عدم رغبته فيها في الدنيا، وقعوده عن طلبها في وقت الطلب، وقد سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - من كان بهذه الصفة عاجزاً أو أحمق، فقال:"الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ المَوتِ، وَالْعَاجِزُ - وَفِي رِوَايَةٍ: وَالأَحْمَقُ - مَنْ أتبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا، وَتَمَنَّى عَلَىْ اللهِ". رواه الإمام أحمد، وابن ماجه، والترمذي، والحاكم وصححاه، من حديث شداد بن أوس - رضي الله عنه - (١).
ثم لما كان مَنْ هذا وصفُهُ أشبهَ الخلق بالشيطان الرجيم، جمع بينهما في نار الجحيم.
قال الله تعالى: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (٩٤) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ} [الشعر اء: ٩٤ - ٩٥].
(١) رواه الإمام أحمد في "المسند" (٤/ ١٢٤)، وابن ماجه (٤٢٦٠)، والترمذي (٢٤٥٩)، والحاكم في "المستدرك" (١٩١).