بها متشبهاً بالشيطان، إلا أنه إن استغفر نفعه الاستغفار، فإذا أصر على ذنبه ولم يستغفر فقد كمل تشبهه بالشَّيطان حينئذ؛ لأن الإصرار خلق اللعين، وقد قضى الله تعالى عليه بلزومه إلى يوم القيامة بدليل اللعنة المؤبدة له، كما قال الله تعالى:{وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ}[ص: ٧٨].
ومن ثم لا شيء أقصم لظهر الشَّيطان من الاستغفار لأنه محروم منه، ومن بلوغ أمنيته من المؤمن بسببه لأن أمنيته من كل أولاد آدم أن يشاركوه في اللَّعنة والعذاب، وفي الاستغفار أمان من ذلك، كما قال الله تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}[الأنفال: ٣٣].
وروى الإمام أحمد، وغيره، وصححه الحاكم، عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه قال: "إِنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ: وَعِزَّتك يَا رَبِّ! لا أَزَالُ أُغْوي عِبَادَكَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِم، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: وَعِزتِي وَجَلالِيْ! لا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُم مَا اسْتَغْفَرُونِي"(١)؛ أي: زيادة في نكايتك أعطيهم ما أنت ممنوع منه - وهو المغفرة - إذا طلبوها مني لأنك أنت لم تطلبها، ولم ترغب فيها، فمنعتها منعاً مؤبداً.
وقد يمن الله تعالى على بعض أولاد آدم بالمغفرة - وإن لم يطلبها - لأن طلبها في جِبِلَّتِه، والرغبة فيها من خليقته، فأمَّا من لم
(١) رواه الإمام أحمد في "المسند" (٣/ ٧٦)، والحاكم في "المستدرك" (٧٦٧٢).