ففرغ له ولابن أختِه البدرِ الموصلىِّ، وأذن له العيثاويُّ بالكتابة على الفتوى قبل وفاته بنحو عشرين سنة، فكتب في هذه المدة على فتوى واحدة في الفقه، وغير واحدة في التفسير؛ تأدبا مع العيثاوي، فلما كان قبل وفاته بنحو خمسة أيام، دخل النجمُ عليه، فحضَرَتْ فتوى، فقال له: اكتبْ عليها، فكتب وقال: اكتبْ اسمكم، قال: بل اكتبُ اسَمك، فكتبه، ثم تتابعت عليه الفتاوى، فاستمرَّ يُفتي من سنة خمس وعشرين وألف إلى سنة إحدى وستين، وهي سنة وفاته (١).
وكان مُغْرَماً بالحج إلى بيت الله الحرام، واتفق له مَرَّاتٍ؛ فأولُ حَجَّاته كانت في سنة إحدى وألف، قال في ترجمة والده في "الكواكب": بمناسبة وقع لنا اتفاقٌ غريب، وهو أنَّا حَجَجْنا في سنة إحدى وألف، وهي أولُ حجةٍ حججتُها، وكنا نترجَّى أن يكون عرفة يومَ الإثنين، فرأينا هلالَ ذي الحجة ليلةَ السبت، وكان وقوفُنا بعرفةَ يوم الأحد، وهو خلافُ ما كان الناس يتوقعونه، فقلت لبعض إخواننا من أهل مكة وغيرهم؛ ظهر لي اتفاقٌ غريب، وهو أن الله تعالى قدر الوقوف
(١) وقال أبو المواهب الحنبلي في "مشيخته" (ص: ٧١): وقد حضرت في دروسه العامة بعد العصر في الثلاثة أشهر تحت القبة في "البخاري" المجالسَ التي لا تُعد، وكنت أسأله ومَنْ في المجلس إذ ذاك من العلماء الكبار عن كلِّ ما يُشكل عليَّ، وحضرته في شرح "جمع الجوامع" في الأصول في مدرسة الشامية البرانية، وتوجهت مع بعض إخواني من الطلبة إلى منزله بزقاق الوزير، وقرأت عليه "الألفية" للعراقي في المصطلح، وأجازني خصوصاً بعد الإجازة العامة.