واعلم أن الشياطين لا تتقيد بمكان دون مكان، ولا ببلد دون بلد، بل هي حيث ترى بُغيتها من إضلال العباد، وربما قصدت الأماكن الخالية والمحال المنقطعة رجاء أن تظفر بآدمي تضله أو تؤذيه، ومهما أيست من موضع لعمارته بذكر أو طاعة فربما تحولت منه إلى غيره من محال الفتن وأماكن الشرور رغبة في تحصيل ما ترجوه من الخلق.
أمَّا استقرار الشيطان وذريته فروى ابن أبي حاتم، والحاكم عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ الأَرَضِينَ بَيْنَ كُلِّ أَرْضٍ وَالَّتِيْ تَلِيْهَا خَمْسُ مِئَةِ عَامٍ، فَالْعُليَا مِنْهَا عَلَى ظَهْرِ حُوْتٍ قَدْ الْتَقَى طَرَفَاهُ فِي السَّمَاءِ، وَالْحُوْتُ عَلَى صَخْرَةٍ، وَالصَّخْرَةُ بِيَدِ الْمَلَكِ، وَالثَّانِيَةُ مَسجَنُ الرِّيْحِ، وَالثَّالِثَةُ فِيْهَا حِجَارَةُ جَهَنَّمَ، وَالرَّابِعَةُ فِيْهَا كِبْرِيتُ جَهَنَّمَ، وَالْخَامِسَةُ فِيْهَا حَيَّاتُ جَهَنَّمَ، وَالسَّادِسَةُ فِيْهَا عَقَارِبُ جَهَنَّمَ، وَالسَّابِعَةُ فِيْهَا سَقَرٌ، وَفِيْهَا إِبْلِيْسُ مُصَفَّدٌ بِالْحَدِيْدِ يَدٌ أَمَامَهُ وَيَدٌ خَلْفَهُ، وَإِذَا أَرَادَ اللهُ تَعَالَى أَنْ يُسَلِّطَهُ لِمَا شَاءَ أَطْلَقَهُ"(١).
وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قال لابن صياد: "ما تَرى؟ "
قال: أرى عرشا على البحر وحوله الحيات.
(١) رواه ابن أبي حاتم في "التفسير" (١٠/ ٣٣٦١)، والحاكم في "المستدرك" (٨٧٥٦). قال ابن كثير في "تفسيره" (٣/ ١٤٣): وهذا حديث غريب جداً، ورفعه فيه نظر.