فكان ذلك غيبة لها أو لوماً، وذلك يكون في الغالب مع البغض؛ فإنه مناقض للمودة، وإنما أردن بذلك الحيلة في التوصل إلى مشاهدة يوسف، ومطالعة جماله.
ومن هنا قال يوسف عليه السَّلام حين كوشف بحالهن: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [يوسف: ٣٣ - ٣٤].
وفي ذلك إشارة إلى أن الدعاء من أنفع شيء يصرف الكيد عن المكيد، وقد حفظ الله تعالى يوسف عليه السَّلام من كيد إخوته، ثم من كيد النسوة، إلا أنه صرف عنه كيدهن بطلب منه، وكيد إخوته بلا طلب؛ لأن كيدهم له كان بمحض الظلم، والله تعالى أولى بنصرة المظلوم وإن لم يسأل النصر، وكيد النسوة لم يكن محض ظلم، وإنما بعثهن عليه الشهوة والطمع.
ووجه آخر: وهو أن يوسف عليه السلام خشي على نفسه من كيد النساء لأنه يعلم أن الشهوة آخذة إليهن، فاستغاث بربه حتى طلب صرف كيدهن عنه ولو بالسجن، ولم يسأله أن يصرف عنه كيد إخوته مع قول أبيه له:{لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ}[يوسف: ٥] لِمَا علم أن كيد الإخوة يكون بمجرد إغواء الشيطان، وكيد الشيطان ضعيف، مع أن شفقة الإخوة وازعة عن الكيد في الجملة فاعتمد عليها، فلم يطلب النجاة من