والفقر - فإنه قد يكون شاغلاً عن الإتيان بها؛ ألا ترى أنَّ الغني كثيرًا ما يشغله إصلاح ماله، والفقير كثيرًا ما يشغله طلب ما يحتاج إليه؟ فيسوِّفُ العبد بالتوبة والعمل الصالح من وقت إلى وقت رجاء الفراغ، فلا يحس بنفسه إلا وقد وقع في محذوره. وفي حديث أبي أمامة رضي الله تعالى عنه، عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ هَرَمًا نَاغِضًا، وَمَوْتًا خَالِسًا، وَمَرَضًا حَاِبسًا، وَتَسوِيْفًا مُؤيِسًا". أخرجه البيهقي في "الشعب"(١).
وحين وقوع هذه الأمور بالعبد، أو بعضها فيمنعه [أن] ينتفع بما سبق له قبل ذلك من الإحسان, وأما إذا لم يسبق له فإنه تشتد حسرته ويظهر حسارته، ولا ينفعه التدارك كما لو غص بالموت وغرغر بالروح، وفي مثل هذه الحالة كان فرعون حين أدركه الغرق فقال:{آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[يونس: ٩٠]، فقيل له:{آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}[يونس: ٩١].
وسبق قول جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم -. يا محمَّد! فلو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدنيه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة.
وحال البحر الطين الأسود الذي يكون في أرضه.
وإنما كان ذلك من جبريل عليه السلام تنفيذاً لما سبق في علم الله من شقاوة فرعون، وكان فرعون همَّ أن يقول تلك الكلمة قبل أن يلجمه الغرق فيغرغر بالموت؛ فإن قول كلمة الشهادة قبل الغرغرة ينفع.