ومع ذلك فإن موسى عليه السلام لم يغتر بتلاشي فرعون عنده بما عنده من اليقين حذراً من مكر الله تعالى، ولم يقابل قول فرعون بمثل تمرده، فأظهر في بني إسرائيل مثل ما أظهره فرعون في قومه من القوة والسطوة، بل فزع إلى الدعاء كما حكى الله تعالى عنه بقوله عز وجل:{وَقَالَ مُوسَى}؛ يعني: في إسرائيل حين بلغته مقالة فرعون: {إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ}[غافر: ٢٧].
أكد عياذه بِـ: إن، والجملة الاسمية إشارةً إلى أنه لا ينبغي الاستعاذة بغيره، وأنه لا شيء من الأسباب في منع الأعداء ودفع شررهم أبلغ من العياذ بالله تعالى.
وجاء بذكر الرب مضافاً إلى ضمير نفسه مبتدأً به، ثم إلى ضمير قومه على عادة الأنبياء عليهم السلام من البداءة بأنفسهم في الدعاء، وإشارة إلى أن الاجتماع على الدعاء واتفاق الأرواح على التوجه والطلب أبلغ في إنجاح الحاجات، ولذلك شرعت الجماعة في الصلوات.
وصفة الربوبية المشعرة بالحفظ والتربية للتوسل بها إلى الله تعالى خصوصية عظيمة في إنجاح المطالب لما فيها من التملُّق والتعطف، والانضياف إلى الله تعالى بأخص أنواع التقرب، على أنه أتى بها متحققاً بالتعلق بها من حيث أطلقها فرعون في قوله:{وَلْيَدْعُ رَبَّهُ}[غافر: ٢٦] على وجه التهكم والاستهزاء، فاستظهر بتعلقه بها وثقته بها على عكس ما ظنه فرعون.
وقد أراد موسى عليه السلام بتشريكه قومه معه في إضافة الرب