وفي "الإحياء"، وغيره: إن هذا القاص هو الحسن البصري (١). ويجب عليه أن لا يستكثر من ذكر الرخص، وأحاديث الرَّجاء بحيث يؤمنهم من مكر الله تعالى، ولا يخوفهم تخويفًا يقنطهم من رحمة الله تعالى، بل ينبغي أن يكون تارة في ترجيه، وتارة في تخشيه، ولا بأس بتغليب جانب الخوف شيئًا على جانب الرَّجاء، خصوصًا إذا كان بحضرة العوام وأهل التخليط، وهو اللائق في هذا الزمان.
روى الإمام أحمد في "الزُّهد" عن المعلى بن زياد قال: سمعت المغيرة بن مخارش قال للحسن: يا أبا سعيد! إنَّ لنا علماء ومذكِّرين يخوفونا حتى يكادوا يخلعون قلوبنا، وآخرين في حديثهم سهولة.
فقال الحسن: أيها الرجل! إن من خوفك حتى تلقى الأمن خير لك ممن أمنك حتى تلقى المخافة.
وليس مراد الحسن رحمه الله تعالى أن يغلب جانب الخوف إلى أقصاه بحيث يُقَنِّط المخوف من رحمة الله تعالى، بل يخوف تارة، ويرجي أخرى مع ترجيح جانب الخوف.
وفي "مسند ابن وهب" عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"أَلا أُنْبِئُكُمْ بِالفَقِيْهِ كُلِّ الفَقِيْهِ؟ ".
قالوا: بلى.
قال: "مَنْ لا يُقَنِّطِ النَّاسَ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَلا يُؤَيِّسهُم مِنْ رَوْحِ الله،
(١) في "البداية والنهاية" لابن كثير (٩/ ٢٤): أن القاص هو نوف البكالي.