وروى الدينوري في "المجالسة" عن وهب بن منبه رحمه الله تعالى قال: إن الله تعالى قال لشعياء عليه السلام: قم في قومك، أوحِ على لسانك.
فلما قام شعياء أنطق الله لسانه بالوحي، فقال: يا سماء اسمعي، ويا أرض أنصتي.
قال: فاستمعت السماء، وأنصتت الأرض.
فقال: إن الله تبارك وتعالى يقول لكم: إني استقبلت بني إسرائيل بالكرامة، وهم كالغنم الضائعة لا راعي لها، فأويت شاذها، وجمعت فاذها، وجبرت كسرها، وداويت مريضها، وأسمنت مهزولها، فبطرت فتناطحت، فقتل بعضها بعضًا حتى لم يبقَ منها عظم صحيح.
إن الحمار ربما يذكر رَّيه الذي يشبع عليه فيراجعه، وإن الثور ربما يذكر مرجه الذي سمنَ فيه فينتابه، وإن البعير ربما يذكر وطنه الذي أنيخ فيه فينزع إليه، وإن هؤلاء القوم لا يذكرون من أين جاءهم الخير وهم أهل الألباب والعقول، ليسوا بإبل ولا بقر ولا حمير.
وإني ضارب لهم مثلًا فاسمعوا؛ قل لهم: كيف ترون في أرض كانت زمانًا من زمانها خِرْبة مَواتًا لا زرع فيها ولا حرث، وكان لها رب قوي حكيم، فأقبل عليها بالعمارة، وأحاط عليها سياجاً، وشيَّد فيها قصورًا، وأنبط فيها نهرًا، وصفَّ فيها غراساً من الزَّيتون والرُّمان والنخيل والأعناب وألوان الثِّمار، وولى ذلك ذا رأي وهمَّة، حفيظاً قوياً أميناً، فلما جاء إبان ثمرها أثمرت خروبًا، ما كنتم قائلين له ومشيرين عليه؟