قلت: ويؤخذ من هذه الأحاديث أنَّه يُخشى على من ترك الحج مع الاستطاعة من سوء الخاتمة، والحيلولة بين العبد وبين العصمة من الشيطان عند الموت؛ إذ روي أن العبد إذا كان عند الموت قعد عنده شيطانان؛ الواحد عن يمينه، والآخر عن شماله، فالذي عن يمينه على صفة أبيه يقول: يا بني! إني كنت عليك شفيقًا ولك محبًا، ولكن مت على دين النصارى وهو خير الأديان، والذي عن شماله على صفة أمه تقول: يا بني! كان بطني لك وعاء، وثدي لك سقاء، وفخذي لك وطاء، ولكن مت على دين اليهود وهو خير الأديان، فعند ذلك يزيغ الله من يريد زيغه، وهو معنى قوله تعالى:{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا}[آل عمران: ٨] الآية. نقله القرطبي في "التذكرة".
والأخبار المتقدمة دليل على وجوب الحجِّ على الفور مع الاستطاعة، وممن قال به الإمامان مالك، وأحمد، وأبو يوسف، والمزني (١).
وقال الإمام الشافعي: إنه واجب على التراخي لأنَّ الحج فُرِض في سنة خمس أو ست، وهو الراجح، ولم يحج النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى كانت سنة عشر، فلو كان الوجوب على الفور لم يؤخره.
ثمَّ أَظْهَرُ الوجهين من مذهب الشافعي - رضي الله عنه -: أن من أخر الحج بعد الاستطاعة حتى مات، مات عاصيًا لأنا إنما جوَّزنا له التأخير دون التفويت.