لكن نقل النوويّ في "فتاواه" عن القاضي، وغيره فيما لو حبس ظلمًا، فبذل مالًا لمن يتكلم في خلاصه -قائده أو غيره- جاز، وحمل ما نقلناه عن الماوردي على ما إذا شفع، ثمَّ بذل له مال، فأخذه؛ فإنَّه حرام لأنه عمل متبرعًا، فلا يستحق شيئًا (١).
لكن قول عمر رضي الله تعالى عنه: فلا يقضي حاجته حتى يهدي له هدية؛ يقتضي منع هذا الحمل.
قال ابن حجر المكي في "شرح الإرشاد": وتلخيصه: وإن كان فرض كفاية إلا أن الحاجة اقتضت المسامحة في أخذ عوض عليه لاضطرار الناس إليه، واطراد عزلهم لعدم السعي فيه إلا بمقابل.
قال: وبهذا يندفع قياسه على تولية القضاء، انتهى.
قلت: هذا التعليل في جواز الإعطاء، والجعل على ذلك ظاهر، واقتضاؤه لجواز الأخذ بعيد.
وإذا تقرر أن هذه الأمور التي أتينا عليها هنا داخلة في السحت، وثبت بنص القرآن العظيم أن اليهود والنصارى كانوا يأكلون السحت، فقد علم أن هذه الأمور كلها من أخلاقهم، وأنَّ مَنْ فَعَلها أو أكل مما يحصل منها فهو متشبه في ذلك باليهود والنصارى، ومن لم يتب من العلماء عن ذلك فهو متشبه بالربانيين والأحبار حين لم ينهوا عنها.
(١) انظر: "أسنى المطالب في شرح روضة الطالب" لزكريا الأنصاري (٢/ ٤٤٠).