للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم اعلم أن الرهبانية التي ابتدعها النصارى لا تختص بترك النكاح، بل هي ترك الشهوات المباحة كلها، والتقليل من المآكل والمشارب وكل شيء، والتشدد في الدين كملازمة الصيام، والقيام فوق الطاقة، ولباس السواد، وإيثار الشعوثة والغبورة، وملازمة الغيران والكهوف.

قال الله تعالى: {وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: ٢٧].

روى النسائي، والحكيم الترمذي في "نوادره"، والمفسرون عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كانت ملوك بعد عيسى عليه السلام بدلت التوراة والإنجيل، فكان من بني إسرائيل مؤمنون يقرؤون التوراة والإنجيل غير مبدلين، فقيل لبعض ملوكهم: ما نجد شيئاً أشد من شتم يشتمنا هؤلاء إنهم يقرؤون: {لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: ٤٤]، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٤٥)} [المائدة: ٤٥]، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤٧)} [المائدة: ٤٧] مع ما يعيبوننا به من أعمالنا في قراءتهم، فادعوهم فليقرؤوا كما نقرأ، وليؤمِّنوا كما آمَّنَّا.

فدعاهم فجمعهم، وعرض عليهم القتل، أو يتركوا قراءة التوراة والإنجيل إلا ما بدلوا منها، فقالوا: ما تريدون ذلك دعونا.

<<  <  ج: ص:  >  >>