للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالت طائفة منهم: ابنوا لنا أسطوانة، ثم ارفعونا إليها، ثم أعطونا شيئاً نرفع به طعامنا وشرابنا، ولا نرد عليكم.

وقالت طائفة: دعونا نسيح في الأرض، ونَهيم ونأكل ما تأكل منه الوحوش؛ فإن قدرتم علينا في أرضكم فاقتلونا.

وقالت طائفة: ابنوا لنا دوراً في الفيافي، ونحتفر الآبار، ونحرث البقول، ولا نرد عليكم، ولا نمر بكم، وليس أحد من القبائل إلا له حميم.

ففعلوا ذلك.

قال: فأنزل الله تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ} [الحديد: ٢٧].

قال: فمضى أولئك على مناهج عيسى.

قال: وقال آخرون: ممن تعبد من أهل الشرك وقد فني من فني منهم؟ نتعبد كما تَعَبَّدَ فلان، ونسيح كما ساح فلان، ونتخذ دوراً كما اتخذ فلان، وهم على شركهم لا علم لهم بإيمان الذين اقتدوا بهم.

قال: فذلك قوله تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} الآية. مقولة ابتدعها هؤلاء الصالحون، فما رعاها المتأخرون.

{فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ}؛ يعني: الذين ابتدعوها أولاً ورعوها. {وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}؛ يعني: المتأخرين.

ولما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يبق منهم إلا القليل انحط صاحب

<<  <  ج: ص:  >  >>