للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي حديث ذكره القرطبي عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَتَدْرِي مَا رَهْبَانِيَّةُ أُمَّتِي؟ الْهِجْرَةُ، وَالْجِهَادُ، وَالصَّوْمُ، وَالْحَجُّ، وَالعُمْرَةُ، وَالتَّكْبِيْرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ" (١).

والمعنى في ذلك: أن في هذه العبادات المشروعة لمن حافظ عليها وعلى أدائها على أكمل هيئاتها وخرج من حقوقها غُنية عن الرهبانية الذي ابتدعتها النصارى من ترك عامة الشهوات المباحة.

ومن أراد مخالفة الرهبان في ذلك فسبيله الاقتصاد في كل ما ذكر، كما يدل عليه حديث "الصحيحين" - واللفظ للبخاري - عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما أخبروا كأنهم تقالُّوها، وقالوا: أين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبداً.

وقال الآخر: أنا أصوم الدهر أبداً.

وقال الآخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً.

فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم فقال: "أَنْتُمُ الَّذِيْنَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاللهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ للهِ، وَأتقَاكُمْ لَهُ، وَلَكِنِّي أَصُوْمُ وَأفطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ،


= الزوائد" (٥/ ١٣١): رواه الطبراني عن شيخه علي بن سعيد الرازي، وهو ضعيف.
(١) انظر: "تفسير القرطبي" (١٧/ ٢٦٥)، وكذا "تفسير الثعلبي" (٩/ ٢٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>