للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو شبيه بتحرج اليهود عن الأشغال يوم السبت، وكذلك من الرجال من يمتنع عن الصنائع والتجارة يوم الجمعة تعظيماً لليوم، وهذا إن كان أول النهار للغسل والتنظيف، والطيب، والتبكير للجمعة فهو موافق للسنة، وأما بعد الصلاة فالانتشار فيه للابتغاء من فضل الله أولى كما فعله بعض السلف.

فأمَّا التحرج عن الاحتراف والشغل حتى يراه كأنه واجب عليه فهو شبيه بحال اليهود بالنسبة إلى يوم السبت، والنصارى بالنسبة إلى يوم الأحد إذا قعد بطّالًا، ولم يشتغل بأوراد يوم الجمعة من ذكر وقراءة، وصلاة وسلامٍ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

بل كان معيلًا لا يكتفي، ولا يكفي عياله إلا من حرفته التي لا اعتراض في الشرع عليه فيها، وترك الحرفة يوم الجمعة في غير وقت الصلاة تعظيمًا ليوم الجمعة، مع علمه بأن ترك الحرفة ذلك اليوم يضر بعيلته ولو في انتقاص بعض حقوقهم، فهو آثم لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْماً أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَمُوْنُ" (١).

فإن كان يحتج بتعظيم يوم الجمعة في البطالة، ثمَّ يذهب إلى بيوت القهوات ونحوها من المفترجات وأماكن اللهو فهو ممقوت عند الله تعالى.

ويتفق ذلك لكثير من الناس في هذه الأعصار، وبلغني عن أهل


(١) رواه أبو داود (١٦٩٢) عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -، وعنده: "من يقوت" بدل "من يمون".

<<  <  ج: ص:  >  >>