فالجواب: أن من بلغ الكمال والكمالات من الأعاجم ما بلغه من حيث إنه أعجمي، بل من حيث إنه طلب الكمالات من طريقها، فرجع بنصيبه المقسوم منها.
على أن العلوم الشرعية لا تؤخذ إلا من الكتاب والسنة وهما عربيان، ومن جاء بهما - صلى الله عليه وسلم - عربي، فمن طلب الكمالات والعلوم من المعجم فبلغها إنما حصل عليها من حيث إنه تشبه في طلبها وتحصيلها بالعرب لأن العلم من قبلهم يؤخذ، على أن أكثر المحققين من علماء المعجم من أصحاب الشافعي رضي الله تعالى عنه، والأعاجم في أصحاب الشافعي أكثر منهم في أصحاب غيره من الأئمة كما يدل عليه كتب "الطبقات والتواريخ"، والشافعي رضي الله تعالى عنه عالم قريش الذي طبق الأرض علماً، وعليه حمل الحديث (١).
وقال بعض العلماء: الحكمة في كثرة العلماء والمحققين في المعجم -أعني: أبناء فارس- أنهم لما لم يكن منهم نبي، وكانت أكثر الأنبياء في بني إسرائيل، ثم جاء من العرب نبي يوزن بكل الأنبياء من بني إسرائيل وغيرهم، فترجح عليهم، لم يحرم أبناء فارس من بركة النبوة من طريق الوراثة، فكثرت العلماء فيهم بهذا المعنى، ولذلك
(١) رواه الطيالسي في "المسند" (٣٥٩)، وابن أبي عاصم في "السنة" (٢/ ٦٤١). قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (١٠/ ٨٢): فيه النضر، قال فيه ابن أبي حاتم: متروك الحديث.