للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحال، مفهفه المنطق، فلما أتت لبزرجمهر خمس عشرة سنة حضر مجلس الملك وقد جلست الوزراء على كراسيها، والمرازبة في مجالسها، فوقف، فحيَّا الملك، ثم قال: الحمد لله المأمولة نعمه، المرهوبة نقمه، الدال عليه بالرغبة إليه، المؤيد الملك بسعوده في الفلك حتى رفع شأنه، وعظم سلطانه، وأنار به البلاد، وأغاث به العباد، وقسم له في التقدير وجوه التدبير، فرعا رعيته بفضل نعمته، وحماها الموبئات، وأوردها المعشبات، وذادها عن الآكلين، وآلفها بالرفق واللين إنعاماً من الله تعالى عليه، وتثبيتاً لما في يديه، وأسأله أن يبارك له فيما آتاه، ويخير له فيما استرعاه، ويرفع قدره في السماء، وينشر ذكره تحت الماء حتى لا يبقى له بينهما مناوئ، ولا يوجد له فيها مداني، وأستوهب له حياة لا يتنغص فيها، وقدرة لا يشاد عنها، وملكاً لا بؤس فيه، وعافية قديم له البقاء، وتكثر له النماء، وعزاً يؤمنه من انقلاب رعية، أو هجوم بلية؛ فإنه مولى الخير، ودافع الشر.

فأمر له الملك فحشي فوه بثمين الجوهر ورفيعه، ولم تدفع حداثة سنه مع نبل كلامه أن استوزره، وقلَّده خيره وشره، وكان أول داخل عليه، وآخر خارج من عنده.

قال أبو بكر الطرطوشي: وكتب قيصر إلى كسرى: أخبرني بأربعة أشياء لم أجد من يعرفها وإخالها عندك؛ أخبرني ما عدو الشدة، وصديق الظفر، ومدرك الأمل، ومفتاح الفقر؟

<<  <  ج: ص:  >  >>