للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مرةً (١)؛ أين يذهب لهب الجوع عنه؟ قال: يطفئه النور.

قال: وقد سألت بعض الصالحين عن ذلك، فذكر لي كلامًا بعبارة دلت على أنه يجد فرحاً بربه ينطفئ معه لهب الجوع.

قال: وهذا واقع في الخلق أن الشخص يطرقه فرح - وقد كان جائعاً - فيذهب عنه الجوع، وهكذا في طَرق الخوف يقع ذلك (٢). انتهى.

فإن قيل: قد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن الوصال في الصوم، فقيل له: إنك تواصل، فقال: "لَسْتُ كَأَحَدِكُمْ؛ إِنَّ اللهَ يُطْعِمُنِيْ، وَيَسْقِيْنِي" (٣)، فهذا يخالفه ما تقدم؟

فالجواب: أن هذا النهي إنما هو في مقام الدَّعوة العامة، والتشريع لكافة الناس، ولئلا يتخذ الوِصال سنة جارية يتعاطاه القادر عليه والضعيف عنه، فيحتاج إلى التكلف، فأما من كان يقتات بالذكر بحيث يستغني عن الطَّعام والشَّراب فقد يقال في حقه بإباحة الوصال له خاصة (٤).

وعلى ذلك يخرج أحوال من أسلفنا ذكرهم من السَّلف رضوان الله عليهم أجمعين.


(١) في "العوارف": "أكلة" بدل "مرة".
(٢) انظر: "عوارف المعارف" للسهروردي (ص: ٢٠٥).
(٣) رواه البخاري (٦٨٦٩)، ومسلم (١١٠٣)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٤) قال ابن حزم في "المحلى" (٧/ ٢٢): لا حجة في أحد غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا صاحب ولا غيره فقد واصل قوم من الصحابة - رضي الله عنهم - في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتأولوا في ذلك التأويلات البعيدة فكيف بعده عليه السلام؟ فكيف من دونهم؟

<<  <  ج: ص:  >  >>