للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن حارثة بن النعمان رضي الله تعالى عنه (١)؛ فهو إخبار عما جُبِل عليه طباع البشر الذين منهم أمته، لا أنه أقرهم على ذلك؛ بدليل تتمة هذا الحديث، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فَإِذا ظَنَنْتَ فَلا تُحَقِّقْ، وإِذا حَسَدْتَ فَلا تَبْغِ، وإِذا تَطَيَّرْتَ فَامْضِ".

فأشار - صلى الله عليه وسلم - إلى أن ما يجري على المرء من هذه الثلاث بمقتضى طباع البشرية، فلا يضره إلا إذا ذهب مع الظن حتى أنزله منزلة اليقين، واسترسل في الحسد حتى صار إلى البغي فيه، واعتقد أن له حقًا واستحقاقًا لتلك النعمة المحسود عليها، وأطاع الطيرة فوقف عندها، وامتنع من إمضاء ما تطير منه، فهذا هو الذي زجر عنه الشرع، ومنع منه الدين لأنه هو الذي يدخل تحت الاختيار.

وفي "صحيح مسلم" عن معاوية بن الحكم الأسلمي - صلى الله عليه وسلم - قال: قلت: يا رسول الله! منا رجال يتطيرون؟

قال: "ذَلِكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ، فَلا يَضُرُّهُمْ" (٢).

أي: ما لم يقفوا مع الطيرة، أما لو وقف أحد مع الطيرة حتى ترك ما هو فيه من الأمر أو رجع من سفره مثلًا فإن الطيرة تضره، وهي الشرك بعينه.


(١) رواه أبو الشيخ في "التوبيخ والتنبيه" (ص: ٧٥)، والطبراني في "المعجم الكبير" (٣٢٢٧).
(٢) تقدم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>