ألا ترى أن عبد الله بن أُبَيٍّ ابن سلول حين أراد أهل المدينة أن يتوجوه ويملكوه عليهم، فأدركه الإِسلام وحال بينهم وبين ذلك، ثم هاجر إليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فأقبلوا عليه، وأعرضوا عما همُّوا به من تتويج ابن أُبَيٍّ، كان ذلك داعياً لابن أُبَيٍّ إلى النفاق، وإضمار العداوة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، وكان قد أظهر الإِسلام لئلا يخرج عن قومه، ومنه أخذ المنافقون واقتدى به الأرذلون؟ قال تعالى:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ}[التوبة: ٥٨].
وفي تغيير الخطاب إشارة إلى أن السخط خلقهم اللازم لهم، والرضا طارئ عليهم بسبب ما يعرض عليهم من العطاء، فإذا انقطع العطاء عنهم عادوا إلى مكرهم.
والآية نزلت في أبي الجواظ، وفي حرقوص بن زهير الملقب بذي الخويصرة، وهو رأس الخوارج، وكلاهما من المنافقين، قال كل منهما في قسمة قسمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنه لم يعدل فيها، فبين الله سبحانه أن ذلك من القائل إنما نشأ لشدة انكلابه على الدنيا، وطمعه فيها، ورضاه لها، وسخطه لمنعها، فأدى ذلك به إلى وقوعه في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - بما هو كفر صريح، ولو أنه رضي بالله تعالى ورسوله، واكتفى بما قسمه الله له لأغناه الله تعالى كما قال عز وجل:{وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ}[التوبة: ٥٩]؛ أي: لكان ذلك خيراً لهم، وأعود عليهم.