وحب الدنيا رأس كل خطيئة، فركنوا إلى حب الدنيا ومالوا إليها، وزين لهم أنهم إذا حصلت لهم وكثرت لديهم تصدقوا بها، وكانوا صالحين في التصرف بها، ولم يتدبروا عواقبها ويحذروا نوائبها، فحملهم الطيش على طلبها من الله عز وجل معاهدين له أن يتصدقوا ويكونوا صالحين، فلما أوتوها ابتلوا بحبها لأن طلبهم لها كان عن هوى وشهوة، ولم يكن عن حاجة وضرورة، فبخلوا بها، ثم آل بهم البخل إلى النفاق.
ومن ثم كان السلف الصالحون يخافون على أنفسهم النفاق كثيرًا كما تقدم، وكانوا يرون أن الخوف من النفاق علامة البراءة منه لأن العبد لا يخلو من معصية ما، والمعصية قد تجر إلى النفاق كما علمت، بل قد تدعو إلى التجاهر بالكفر؛ والعياذ بالله!
والدليل على ذلك قوله تعالى في اليهود: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (٦١)} [البقرة: ٦١].
فقوله:{ذَلِكَ}[البقرة: ٦١] أي: الذل، والبواء بالغضب إنما حصل لهم بسبب أنهم كانوا يكفرون بالآيات، ويقتلون الأنبياء عليهم السلام.
وقوله:{ذَلِكَ}[البقرة: ٦١] ثانياً؛ أي: الكفر، وقتل الأنبياء؛ إنما كان معهم بسبب العصيان والعدوان على غير الأنبياء.