للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نهى الله تعالى عن التشبه بهذه الحمقاء المختلة في نقض ما غزلته، وهدم ما بنته؛ فإنَّ فِعْلَها اشتمل على إضاعة المال، وإضاعة الزمان في غير فائدة ولا عائدة.

ولقد روى الدينوري في "المجالسة" عن خلس قال: قيل لأعرابي - وأراد الحجاج قتله -: اشهد على نفسك بالجنون.

قال: لا أكذب على ربي وقد عافاني، فأقول: قد بلاني (١).

فتأمل كيف عرض على هذا أن يشهد على نفسه بالجنون؛ أي: بأن يتجامن ويتجانن لينجو من القتل، [فآثر القتل] (٢) على الاتصاف بعدم العقل!

وذكر أقضى القضاة الماوردي في "أدب الدين والدنيا" عن الأصمعي قال: قلت لغلام حَدَثٍ من أولاد العرب كان يحادثني فأمتعني بفصاحته: يسرك أن يكون لك مئة ألف درهم وأنت أحمق؟

قال: لا والله.

قلت: ولم؟

قال: أخاف أن يجني عَلَيَّ حُمقي جناية تذهب بمالي، ويبقى عَلَيَّ حمقي.

قال الماوردي: فانظر إلى هذا الصبي كيف استخرج لفرط


(١) رواه الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" (ص: ٢٧١).
(٢) ما بين معكوفتين زيادة من المحقق.

<<  <  ج: ص:  >  >>